لا يخفى على القارئ في التاريخ مدى تورط عائشة في مقتل الخليفة عثمان وكيف انها هيجت العامة عليه وافتت بقتله بقولها الشهير : اقتلوا نعثلا فقد كفر، قتل الله نعثلا
لكن كثير من الأشخاص لا يعرف السبب الحقيقي الذي جعل عائشة تنقلب على عثمان وتثور عليه وهذا ما سوف اتطرق اليه في مقالتي
كراهية عائشة لعثمان: اسباب الخلاف؟
حظيت عائشة في زمن الخليفة عمر بتقدير بالغ وعناية كبيرة، خاصة من ناحية الأموال. ولعلنا لا نبالغ إن قلنا إن مكانتها في عهد عمر كانت أعظم مما كانت عليه في زمن أبيها. غير أن الحال تغير في عهد عثمان، فأصبحت مكانتها لا تختلف عن حال أي امرأة من نساء المسلمين.
وهذا ما أثار غضبها على عثمان وسلطته، فظلّت تحرّض عليه ليل نهار بلسانها الحاد، مرددة عبارتها الشهيرة التي يعرفها حتى الأطفال في يومنا هذا: "اقتلوا نعثلاً فقد كفر".
اولاً: سبب الخلاف بين عائشة وعثمان: تأخير الارزاق
يبدو أن العلاقة كانت جيدة بين عائشة وعثمان في بداية خلافته الا انها تغيرت عندما انقص واخر كمية الأموال التي اعتادت ان تحصل عليها في زمن الخليفة عمر بن الخطاب كما أن عثمان صار يعامل عائشة مثلما يعامل بقية نساء رسول الله ولا يميزها عنهم كما كان يفعل عمر
وتطور النزاع فيما بينهما وبشكل كبير حتى ان عائشة اتهمت عثمان باكل الأمانات وتضييع الرعية وتسليط الاشرار من بني أمية
واخبرت عثمان انه لولا تلك الصلوات التي تصليها يا عثمان لجاء إليك رجال يذبحونك كما يذبح الجمل (وهذا ما حصل بالفعل فيما بعد)
فقد قتل عثمان شر قتله
واليك المصادر
قال الرزاي في المحصول 4/343 : (أن عثمان أخر عن عائشة بعض أرزاقها فغضبت ثم قالت يا عثمان أكلت أمانتك وضيعت الرعية وسلطت عليهم الأشرار من أهل بيتك والله لولا الصلوات الخمس لمشى إليك أقوام ذوو بصائر يذبحونك كما يذبح الجمل...)
وورد مثله في الفتوح لابن اعثم 2/421
قال اليعقوبي في تاريخه 1/180 : (وكان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر ابن الخطاب، وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول الله. )
ثانيا: تطور الخلاف بين عائشة وعثمان بين الاتهام والسباب
كان عثمان يصلي بالناس فجاءت عائشة ويبدو أن عائشة ومعها حفصة قد تكلمتا بكلام قوي جدا لم يستطع عثمان تحمله وهذا ما سبب له رد فعل قوية جدا فهو قال عن عائشة وحفصة (فتانتين فتنتا الناس في صلاتهم) وحذرهما اذا لم يتوقفا فهو سوف يسبهما بمختلف انواع السباب
ذكر ذلك عبد الرزاق في المنصف 10/376 : (ثم أقيمت الصلاة، فتقدم عثمان فصلى، فلما كبر قامت امرأة من حجرتها، فقالت: أيها الناس اسمعوا، قال: ثم تكلمت فذكرت رسول الله وما بعثه الله به، ثم قالت: تركتم أمر الله وخالفتم رسوله، أو نحو هذا، ثم صمتت، فتكلمت أخرى مثل ذلك، فإذا هي عائشة، وحفصة، قال: فلما سلم عثمان أقبل على الناس، فقال: إن هاتين الفتانتين فتنتا الناس في صلاتهم، وإلا تنتهيان أو لأسبنكما ما حل لي السباب، وإني لأصلكما لعالم) انتهى.
ثالثا: تصعيد عائشة ورفع قميص رسول الله
ويوم بعد الاخر يزداد تحريض عائشة على عثمان حتى صارت ترفع قميص رسول الله وتقول ان عثمان ترك السنة وهذا الفعل له أثر كبير على قلوب الناس خصوصا انه يصدر ممن تعرف باسم (ام المؤمنين)
قال الرازي في المحصول 4/434 : (فكانت عائشة تحرض عليه جهدها وطاقتها وتقول أيها الناس هذا قميص رسول الله لم يبل وقد بليت سنته)
وقد وردت هذه الرواية في كثير من المصادر السنية تحدثت عنها بمقالة كاملة مفصلة راجع:
مقالة: عائشة ترفع قميص النبي وتقول: هذا قميص رسول الله لم يبل وقد بليت سنته
وكانت حادثة رفع القميص تمهيد للثورة على عثمان فهذا الأمر انتشر كالهشيم بينهم وصار يتناقل بالالسن وفي بيوت الناس
ولم يتحمل عثمان ما فعلته عائشة وصار غضبه شديدا لدرجة انه كان يسب ال قحافة (عائلة عائشة) لدرجة انه لا يدري ماذا يقول من شدة التأثر وكأنه يهذي
وقال المقدسي في البدء والتاريخ 5/204 : (وتكلمت عائشة في أمره واطلعت شعرة من شعر رسول الله صله ونعله وثيابه وقالت ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم فقال عثمان في آل أبي قحافة ما قال وغضب حتى ما كاد يدري ما يقول)
ويبدو ان عائشة لم تكتفي باظهار قميص رسول الله فقط يبدو أنه لم يكن كافيا من أجل استعطاف مشاعر الناس ولذلك اخذت شعرة من شعره وأخذت نعله
رابعا: حادثة الوالي الوليد بن عتبة وشرب الخمر
كان الوليد والي الكوفة المعين من عثمان قد شرب الخمر وسكر وصلى بالناس وغضب من ذلك الناس فذهب وفد إلى عثمان الا انه زبرهم وغضب عليهم بل قيل انه جلد بعضهم لذلك ذهبوا إلى عائشة وأخبروها بما جرى فقالت عائشة ان عثمان ابطل الحدود وتوعد الشهود
وعندما سمع عثمان بخبر وجود الشهود عندها غضب وقال لها ما انتي وهذه الأمور كان من المفترض أن تبقي في بيتك فقط وقال بعض الناس مثل قول عثمان واخرون قالوا كلا ان عائشة أولى ان تفعل مثل هذا الفعل
وتخاصم الطرفان وتشاجروا واضطربوا بالنعال
وفي حادثة الشهود قال البلاذري في انساب الاشراف 6/144 : (قال أبو إسحاق: فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان وأن عثمان زبرهم، فنادت عائشة: إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود.) انتهى. وفي نفس الصفحة : (ويقال إن عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها وقال: وما أنت وهذا؟ إنما أمرت أن تقري في بيتك، فقال قوم مثل قوله، وقال آخرون: ومن أولى بذلك منها؟ فاضطربوا بالنعال) انتهى.
وقريب منه في تاريخ اليعقوبي والاستعياب لابن عبد البر
خامسا: قولها اقتلوا نعثلا فقد كفر
لقد كانت هذه فتوة واضحة وصريحة في جواب قتل الخليفة عثمان بن عفان ولا حرج على اي احد ان يقتله لان ام المؤمنين صرحت بجواز ذلك
وقد ورد قول عائشة في العديد من المصادر وهو أشهر من ان يعرض
قال الطبري في تاريخه 4/459 : (فَانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ تَقُولُ: قُتِلَ وَاللَّهِ عُثْمَانُ مَظْلُومًا، وَاللَّهِ لأَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ أُمِّ كِلابٍ: ولم؟ فو الله إِنَّ أَوَّلُ مَنْ أَمَالَ حَرْفَهُ لأَنْتِ! وَلَقَدْ كُنْتِ تَقُولِينَ: اقْتُلُوا نَعْثَلا فَقَدْ كَفَرَ، قَالَتْ: إِنَّهُمُ اسْتَتَابُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ، وَقَدْ قُلْتُ وَقَالُوا، وَقَوْلِي الأَخِيرُ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِي الأَوَّلِ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ أُمِّ كِلابٍ شعراً) انتهى.
وانا تحدثت عن هذا الموضوع (اقتلوا نعثلا فقد كفر في مقالة كاملة) وفيها كل المصادر راجع من هنا
سادسا: مروان يطلب من عائشة إنقاذ عثمان لكنها ترفض
بعدما ضاقت الأوضاع على الخليفة وحوصر ذهب مروان الى عائشة لانه يعلم أن كلماتها لها تأثير كبير على الرعية وأنه بإمكانها تقليل الخناق على الخليفة وانقاذه
الا ان رد عائشة كان عجيبا ويدل على مدى كراهيتها الشديدة لعثمان فقد قالت بما معناه: وددت ان عثمان في كيس والقيه في البحر
ورجع مروان خائبا
وقال البلاذري في انساب الاشراف 6/193 : (فقالت عائشة: يا مروان وددت والله أنه في غرارة من غرائري هذه وإني صوقت حمله حتى ألقيه في البحر) انتهى.
خاتمة
هذه المقالة كانت عبارة عن شيء قليل وبسيط أظهر فيها مدى كراهية عائشة عثمان وسعيها لقتله ثم الطلب بدمه (يقتل القتيل ويمشي في جنازته)
وقد أشرت إلى عدة مقالات مهمة يجب أن تذهب اليها لكي تحصل على المزيد من المعلومات والمصادر ومنها
:وبهذا نكون قد انتهينا من مقالتنا التي كانت بعنوان كراهية عائشة لعثمان اسباب الخلاف وتطوره لحين اصدار فتوى القتل